للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلد ما، فحينئذ يعمل القاضي بخبره ويثبت به الشهرُ ثبوتًا عامًّا - قاله ابن رشد في المقدمات؛ (١) لأن ذلك العدل حينئذ قائمٌ مقامَ القاضي في تلقِّي الثبوت عن شهادة البلد الآخر، فكان بمنزلة القاسم، والذي يوجهه بدلًا منه للتحليف. وكلُّ ذلك يكفي فيه العدلُ الواحد، فأخرجوه من حكم نقل الشهادة.

والتحقيق أن الاكتفاء بالواحد في توجيه القاضي عدلًا مِنْ قِبَلِه يستكشف له لا يختص بهذه الصورة، بل يجري في سائر الصور. وقال أحمد بن مُيَسِّر (٢): يُقبل العدلُ الواحد في النقل عن الشهادة المستفيضة، ويثبت به الشهرُ عند القاضي. واختاره الشيخ ابن أبي زيد وابن يونس والباجي، وجعلوه من باب الخبر لا من باب نقل الشهادة. (٣)

وإن كان الناقلُ نقلَ ثبوتَ الشهر عند قاضي بلد آخر، فحكمُه كحكم النقل عن الشهادة المستفيضة عند الفريقين من الفقهاء المذكورين آنفًا، عدا أبا الوليد الباجي فلم أر له فيه قولا.

وأما طريقُ الثبوت الخاص، فيحصل بالوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المذكورة في طريق الثبوت العام. وإن الأقوال في صوره هي عينُ الأقوال التي


(١) ابن رشد: المقدمات الممهدات، "كتاب الصيام"، ج ١، ص ٢٥٢ - ٢٥٣. وانظر كذلك التوضيح، "كتاب الصيام"، ج ٢، ص ٣٧٩؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج ١، ح ٥١٠؛ الدميري، بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز: الشامل في فقه الإمام مالك، نشرة بعناية أحمد بن عبد الكريم نجيب (القاهرة: مركز نجيبويه للطباعة والنشر والدراسات، ط ١، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ج ١، ص ١٩٤.
(٢) هو أبو بكر أحمد بن خالد بن مُيَسِّر الإسكندراني، فقيه من أهل مصر، شيخ المالكية، ولي قضاء الإسكندرية سنة ٣٠٧، وانتهت إليه رئاسة العلم بمصر بعد ابن المواز. وهو راوي كتبه، وحافظ علمه، وعليه تفقه. من تصانيفه "كتاب الإقرار والإنكار". توفي سنة ٣٠٩ هـ.
(٣) القيرواني: النوادر والزيادات، ج ٢، ص ١٠؛ الباجي: المنتقى، ج ٣، ص ٧؛ البرزلي: جامع مسائل الأحكام، ج ١، ص ٥٢١ - ٥٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>