للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرناها آنفًا، إلا أن ابن رشد يرجح في الثبوت الخاص الاكتفاءَ بالعدل الواحد، (١) فينضم في هذا إلى قول ابن ميسر وموافقيه.

وقد ظهر أن القولين في قبول نقل العدل الواحد عن الشهادة المستفيضة وعن الثبوت لدى قاضي بلد آخر كلاهما مشهور. والذي نتقلده ونفتي به أن أرجحَ القولين، الجاري على قواعد المذهب، هو قولُ أبي عمران وموافقيه مِن اشتراطِ كون الناقل عدلين في صور النقل كلها. أما بالنسبة للثبوت العام الذي هو الأهم عند الناس، فلأن الثبوت عند القاضي ضربٌ من الحكم كما تقدم. فطريقهُ الشهادة، وحكم النقل عن الشهادة كحكم الشهادة، وحكم النقل عن الثبوت عند القاضي كحكم نقل حكم القاضي، وحكم القاضي لا يثبت إلا بشاهدين. ولهذا اختار ابنُ رشد فيه قولَ من اشترط نقل العدلين؛ إذ قد استقر المذهبُ على اعتبار طريق الثبوت العام للشهر شهادة، وأن ثبوته العام حكم. (٢)

وأما بالنسبة للثبوت الخاص، فالقولان متقاربان من جهة النظر. ولكن الأرجح قولُ أبي عمران أيضًا؛ لأن النقلَ فيه نقلُ شهادة، فيجري على حكم الشهادة على الشهادة، ونقلُ الثبوت لدى القاضي نقلُ حكمٍ مع إلغاء الفارق بين الثبوت العام والثبوت الخاص. ألا ترى أن المذهبَ لم يفرق بينهما في صورة ما إذا رأى العدلُ الواحد الهلالَ وأخبر بذلك رجلًا أنه لا يثبت بخبره دخولُ رمضان عند المخبَر (بفتح الباء) ولا يصوم بخبره؟


(١) قال ابن رشد بعد أن ذكر طعن أبي عمران الفاسي في قول ابن ميسر: "وقول أبي عمران لا معنى له". المقدمات الممهدات، "كتاب الصيام"، ج ١، ص ٢٥٢.
(٢) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٣، ص ١٥٩؛ البرزلي: جامع مسائل الأحكام، ج ١، ص ٥١٨ - ٥٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>