للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدفع وإيقاد السرج بالمنارات وضرب الطبول ليلًا، فكلُّ ذلك يقوم مقامَ قول القاضي للناس أنه قد ثبت عندي دخول الشهر.

وأما إخبارُ الناس بعضهم بعضًا بواسطة التلفون بأنه قد ثبت الشهر، فيجري على ما قررناه في طرق الثبوت الخاص بعد تحقق صوت المخبِر أو المخبِرين (بالكسر) على الخلاف، وذلك الخبرُ يقصر حكمُه على الْمخبَر (بالفتح)، فيجب عليه العملُ به في خاصة نفسه ويأمر أهله به، فإن أبوا أن يعملوا به فقيل يُجبرهم، نقله عبد الحق عن ابن الماجشون. وقال ابن بشير: لا يجبرهم، ولا يشيع ذلك في الناس فيوقعهم في حيرة، ولو أشاعه في الناس لم يجب عليهم الصومُ بخبره، ولم يجزئهم إذا صاموا بخبره؛ لأن الثبوت العام لا يكون إلا من تلقاء قاضي البلد أو نوابه الموجهين من قبله أو المأمورين منه. (١)

وهذا مقامٌ يغلط فيه كثيرٌ من الكاتبين والناظرين والعاملين عند قصد العمل به، فيختلط عليهم حكمُ الثبوت العام بحكم الثبوت الخاص، وربما أفتوا السائلين بدون تثبت فغروهم. فينبغي التيقظُ والتثبت في ذلك، لئلا يصبح أمرُ المسلمين فوضى، ولئلا يتسور على الخطط الشرعية مَنْ ليس من أهلها. (٢)


(١) انظر القرطبي: المقدمات الممهدات، "كتاب الصيام"، ج ١، ص ٢٥١ - ٢٥٢؛ الحطاب: مواهب الجليل، ج ٣، ص ٢٨٦ - ٢٨٧. وانظر تحقيقات في المسألة لبعض فقهاء الأندلس والقيروان كأبي القاسم بن سراج وعبد الحميد الصائغ واللخمي في: الونشريسي: المعيار، ج ١، ص ٤١٠ - ٤١٩.
(٢) وقد رأينا وسمعنا طوائف من الشادين في العلم والفكر يتقحمون شؤون الفتوى، ويتجاسرون على أحكام الشريعة، ويتطفلون على قضايا الفكر بدون تأهل ولا عدة، فَيضِلون ويُضِلون، ويُهلِكون ويَهلَكون. فهم كما قال ابن تيمية عليه رحمة الله: من أنصاف العلماء إن لم يكونوا أقل، أولئك الذين يفسدون الأديان، مثلما يهلك أنصافُ الأطباء الأبدان. فمنهم من إن سألته عن المصنفات التي عليها مدار الفقه والفتوى في هذا المذهب أو ذاك رأيته يشرق ويغرب ولا يأتي بطائل. ومنهم من إن سألته عن الآياتِ والأحاديث التي هي المرجع في الباب الذي تندرج فيه المسألة التي يفتي فيها تلعثم وبلع ريقه وأعاد بلعه مرّة بعد أخرى، ثم راح يخبط يمينًا وشمالًا، ذاكرًا من النصوص ما كان ذاكرًا، تاركًا لك أن تختار منها ما كان مناسبًا للمسألة محل البحث!

<<  <  ج: ص:  >  >>