للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفسَ عندي منها فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبستَ أصلها وتصدقتَ بالثمرة، فتصدق بها عمر أنه لا يُباعُ ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموِّل". (١) وقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - سهمَه بخيبر وأرض مخيريق. (٢)

فشريعةُ الإسلام حين شرعت الوقف وأباحته لاحظت قاعدة عامة، وهي قاعدة حرية تصرف المالك في ملكه حال حياته، وهي حرية مطردة إلا فيما يفضي إلى مضرة عامة أو مضرة خاصة، كما تقدم. ولاحظت قاعدةً ثانية، وهي أن تمليك العطية يقبل من الشروط على المُملَّك (بفتح اللام) ما يُقبل مثلُه في المعاوضات، بعلة أن المُمَلَّك لم يُعطِ عوضًا من ماله في مقابلة ما أخذه، فهو منتفِعٌ بما صار إليه على كل حالة صار بها إليه. فالواقفُ صرم الشيءَ الموقوفَ عن ملكه وملَّكه للموقوف عليه تمليكًا مشروطًا بشروط، فلم تحصل مضرةٌ للمُعطِي، إذ هو طيبُ النفس بما صنع، ولا للمُعطَى (بالفتح) إذ هو مستفيدٌ بمال لم يكن من قبل ماله.

ولذلك اتفق جمهورُ فقهاء الإسلام الذين تقلدت الأمةُ مذاهبهم على إجازة أصل الوقف ولزومه للواقف على شروط مرعية مختَلَفٍ فيها بينهم ترجع إلى تحقيق مكمِّلات المقاصد الشرعية في أنظارهم وبحسب مبلغ اجتهادهم. ولم يشذَّ عن ذلك إلا شريحٌ (٣) إذ منع انعقادَ الحبس، واحتج بِما رُويَ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا


(١) صحيح البخاري، "كتاب الشروط"، الحديث ٢٧٣٧، ص ٤٥١. وانظر سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الوصايا"، الحديث ٢٨٧٨، ص ٤٦٠ - ٤٦١.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ٢، ص ١٢٣؛ الخصاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني: أحكام الأوقاف، نشرة بعناية محمد عبد السلام شاهين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٠/ ١٩٩٩)، ص ٥.
(٣) شريح بن الحارث الكندي كان من كبار التابعين، استقضاه عمر على الكوفة ثم استعفى في زمن الحجاج، توفي سنة ٧٩ عن مائة وعشرين سنة. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>