للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُحَابِي بِهَا أكْفَاءَنَا وَنُهِينُها ... وَنَشْرَبُ فِي أَثْمَانِهَا وَنُقَامِرُ (١)

وقد كنتُ ذكرتُ في شرحي على الحماسة المسمى "فوائد الأمالي التونسية على فرائد اللآلي الحماسية" (٢) أن "في" للظرفية المجازية، أي: تحصل معاقرة الخمر ومعاطاة اليسر بأثمان تلك الإبل. فربما كان الأكثرُ للشرب، وربما كان الأكثر للقمار. والكلُّ مظروفٌ في أثمانها، فجعلها ظرفًا ليتطرق بذلك إلى إرادة إتلاف جميع أثمانها في ذلك. فالظرفيةُ على معنى باء السببية والمقصود هذا المسبب، وهو ما يرضيهم من الشراب واليسر. ولذلك لم يأت بـ "من" لئلا يُوهِمَ أنهم يشربون ويقامرون ببعض أثمانها، ويستبقون بعضها اكتنازًا، فهم يتعيرون بذلك.

ونظيرُ الظرفية قولُه تعالَى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥]، أي ارزقوهم بها، ولم يقل منها، للإشارة إلى عدم التقتير عليهم في أموالهم، وإنما هي أسبابٌ لرزقهم وكسوتهم. فالمنظور إليه هو المسبَّب، والسبب تبعٌ لحال المسبب. ويكون التعريف في قوله تعالى: "القربى" تعريفَ الأجل، أي لأجل حقيقة القرابة بيننا. وهذا الوجهُ في معنى الآية هو الأنسب بالسياق؛ لأن الخطاب موجهٌ إلى المشركين، وكانوا عادَوْا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتداعوا للتألب عليه، فناسب أن يُذَكَّروا بوشائج الأرحام. والتذكير بها سنةٌ عربية مألوفة، كما قال القتَّال الكلابي:

نَهَيْتُ زِيَادًا وَالمُقَامَةُ بَيْنَنَا ... وَذَكَّرْتُهُ أَرْحَامَ سِعْرٍ وَهَيْثَمِ (٣)


(١) المرزوقي، أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن: شرح ديوان الحماسة تحقيق عبد السلام هارون (القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ١٣٧١/ ١٩٥١)، ج ١، ص ٢٣٩.
(٢) طبع هذا الكتاب في العشرينيات من القرن العشرين الميلادي، ولم يعد طبعه حسب علمي.
(٣) الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم القرشي الأموي: الأغاني، تحقيق قصي الحسين (بيروت: منشورات دار ومكتبة الهلال، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠٢)، ج ٨/ ٢٤، ص ٤٩١؛ المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٢٠١. والقتّال الكلابي هو عبد الله أو عبيد بن مجيب بن المضرحي، وكان يكنّى بأبي الحسيب وأبي سليل، ولعل الصواب "شليل" وهي كنية =

<<  <  ج: ص:  >  >>