شركات البنوك مع إمكان قبض مقدار ما يُرسم بها، فبذلك كان لها حكمُ المال الناض على قول ابن القاسم رحمه الله في مثل هذا النوع من الديون حسب تحقيق نحارير المذهب، كابن عبد البر وابن رشد وخليل وابن عاشر. ثم إن هذه الديون المعبر عنها بكوارط البانكة بلغت بسبب قوة الثقة بالشركات المدينة بها وضمان الحكومات فيها إلى أن صار لها من الرواج بين الناس مثلُ ما للنقدين، فكانت جديرةً بأن تأخذ أحكامَ النقدين، إذ الأحكامُ منوطةٌ بالمعاني لا بالألفاظ.
وأما زكاة التجارة، فالتجارة قسمان: إدارة واحتكار. وأما الإدارة فهي غالبُ أنواع التجارة التي يقرر أصحابُها أرباحًا مناسبة لإقامة تجارتهم، بحيث يكثر عندهم البيعُ وتجديد السلعة. فهؤلاء يقوِّمون سِلَعَهم في مبدإ كل عام، فإذا بلغت قيمتُها حدَّ النصاب بأحد النقدين - وهو في تونس الفرنك؛ لأنه الرائج في التعاقد - فيُخرجون زكاتَها ربعَ العشر. وكذلك أرباحُهم الناضَّة بأيديهم أو المؤمنة في البنوك، يزكونها إذا مضى حولٌ على رأس المال. وكذلك الديونُ التي لهم على الناس إذا كانت في محلَّ ثقة وأمانة مع إمكان استخلاصها، ويطرحون الديونَ التي عليهم من جملة أموالهم، ويزكون ما فضل بعد طرح الديون. (١)
وأما الاحتكار فهو المعبَّرُ عنه في اصطلاح التجار بالتجارة الميتة التي يطلب أصحابُها أرباحًا عظيمة، حيث لا يبيعون إلا قليلا. فهؤلاء لا يزكون إلا إذا باعوا السلعةَ بعد حول فأكثر من اليوم الذي زكُّوا فيه أثمانَها، فيكون عامُ كلِّ واحد من هؤلاء متعددًا. فلكل سلعة نصابُ عامِها الخاص بها، فيجب عليهم ضبطُ ذلك بالتحرير لئلا يؤخِّروا زكاةَ كلِّ سلعة باعوها عن وقت وجوب زكاتها.
(١) انظر في هذا: المدونة الكبرى، "كتاب الزكاة الأول"، ج ١، ص ٣٦٢ - ٣٦٤؛ النوادر والزيادات، "كتاب الزكاة"، ج ٢، ص ١٦٧ - ١٦٨.