للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما دَيْنُ الفائدة إن كان غير ثمن عرض مستفاد ولا ثمن إجارة بدنٍ أو كراء مسكن، فلا زكاةَ فيه قولًا واحدًا، إن كان قُصد بتأخير قبضه الفرارُ من الزكاة. وأما إن كان ثمنَ عَرْض مستفاد أو ثمن إجارة بدنه أو كراء مسكنه، فابن القاسم يرى زكاتَه لكل حول، وغيرُه لا يرى ذلك. وأما الدَّين الذي هو من ثمن عرض اشتراه للقنية ثم باعه، فإن قَصد بتأخير قبضه الفرارَ من الزكاة، وجبت زكاتُه لكل حول قولًا واحدًا، ولم يتكلم على غيرهما. (١) وتبعه خليل فقال: "ولو فر بتأخيره إن كان عَنْ كَهِبَةٍ أو أرش لا عن مشترًى للقِنْية وباعه لأجَلٍ وعن إجارةٍ أو عرضٍ مفاد قولان". (٢)

والأظهرُ هو ما لابن عبد البر وابن الحاجب من وجوب زكاة ما قُصِدَ بتأخيره الفرارُ من الزكاة مطلقًا؛ لأن إمكانَ القبض يُصَيِّر الدينَ بمنزلة العين الناضة. فتأخيرُ قبضه للفرار من الزكاة مقصدٌ فاسد تجب المعاملةُ بنقيضه، كما قالوا في نظائرها في باب الزكاة، مثل مَنْ فرَّق بين مجتمِعٍ أو جمع بين مفترِقٍ في زكاة الماشية، (٣) ومثل مَنْ باع إبلَه قبل الحول بذهب فإنه يزكي الثمنَ لئلا يصير تحيُّلًا تنهدم به مقاصدُ الشريعة من التشريع. (٤)


(١) انظر تفصيل ذلك في: المدونة الكبرى، "كتاب الزكاة الأول"، ج ١، ص ٣٦٧ - ٣٧٢؛ النوادر والزيادات، ج ٢، ص ١٤٩، ١٥٤، ١٦٩.
(٢) المالكي: مختصر خليل، ص ٥١؛ التوضيح، "كتاب الزكاة"، ج ٢، ص ٢٠١. وعبارة "عن كهبة" هكذا في الأصل وفي سائر الشروح على المختصر، ولم يتبين لي الوجه في إلحاق حرف الكاف بلفظة "هبة" ولم أجد من وجهه من ناحية اللغة. ولكن علق الحطاب على الكلام كله بقوله: "ولو قال المصنف: لا إن كان عن هبة أو أرش فيستقبل به حولًا ولا عن مشترى للقنية، لصح الكلام. واعلم أن المصنف حاول على [كذا! وهو زائد] اختصار كلام ابن رشد في المقدمات فلم يتيسر له الإتيان [به] على وجهه". الحطاب: مواهب الجليل، ج ٣، ص ١٧٤. وكلام ابن رشد هو قوله: الديون في الزكاة تنقسم على أربعة أقسام: دين من فائدة، ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة". المقدمات الممهدات، "كتاب الزكاة"، ج ١، ص ٣٠٣.
(٣) انظر في ذلك مثلًا: ابن عبد البر: الكافي، ص ١٠٧؛ ابن الحاجب: جامع الأمهات، ص ٧٩؛ ابن رشد: بداية المجتهد، ص ٢٥٣ - ٢٥٥.
(٤) وليس ذلك قاصرًا على باب الزكاة، وإنما ينطبق على غيره من مجالات الأحكام الشرعية، وذلك وفقًا للقاعدة الفقهية: "المعاملة بنقيض المقصود الفاسد"، المتفرعة عن القاعدة الكلية: "الأمور =

<<  <  ج: ص:  >  >>