للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له ابن رشد بقوله: "هذا في المدير الذي يلزمه أن يزكي ماله من الديون". (١) إلا أن الفرق بين المدير وغيره يزكيه ولو كان يبيع دينه بعرض؛ لأن عروض المدير تزكَّى، وأما غير المدير فإنما يزكي قيمة دينه إذا كان يبيعه بالنقدين.

فلْنَرْجِعِ الآن إلى تطبيق هاته الأحكام على أوراق البنوك التي تقرر أنها ديون. فهي إما أن تكون وصلت لمن بيده حسبما وُضع مقدارها في البانكة، فهي حينئذ دينٌ من وديعة، فيجب زكاتُها كلَّ حول مطلقًا. وإما أن يكون قبضها التاجرُ في تجارته، وحُكمُها كذلك إن لم يكن محتكرًا محضًا، وهو نادرٌ جدًا. وإما أن يكون قبَضَها في تجارة احتكار كانت من سلف، أو في إجارة بدن شخص، أو في كراء مسكنه، وهذه لا تُزكَّى إلا بعد قبضها، فإن ترك قبضَها فرارًا من الزكاة وجبت زكاتُها. وإن كانت دُفعت له في فائدة بميراث أو مهر أو أرش جناية، فكذلك على طريقة ابن عبد البر وابن الحاجب دون طريقة ابن رشد، والأُولى أصح. (٢)] (٣)

ولا شك أن هاته الأوراق يمكن قبضُها في غالب الأحوال، فلا يتركه أحدٌ إلا فرارًا من الزكاة، لذلك تجب عليه زكاتُها كلَّ سنة. فإذا عرض ما أوجب تعطيلَ قبضها، فحكمُ زكاتها حينئذ فيه تفصيلٌ يُبَيَّن عند الحاجة إليه. ثم إن زكاتَها إما على قدر عددها وهو الغالب، فإن عرض لها انحطاطٌ في مثل هاته الأزمان المتعاقبة للحرب فإنها تُزكَّى على قيمتها لو صُرفت بالنقود. ولا يلزم أن يكون إمكانُ قبضها


(١) وقد جاء كلام ابن رشد تعليقًا على قول سحنون السابق. البيان والتحصيل، "كتاب زكاة الذهب والورق"، ج ٢، ص ٣٩٥.
(٢) طريقةُ ابن عبد البر وابن الحاجب هي وجوبُ الزكاة في الدين الذي يتركه صاحبُه مع إمكان قبضه من المدين، وهي كذلك طريقةُ ابن الجلاب. أما طريقة ابن رشد فهي أن ترك قبض الدين فرارًا من الزكاة لا يوجبها فيه. انظر: الكافي، ص ٩٢ - ٩٣؛ جامع الأمهات، ص ٧٢؛ ابن الجلاب: التفريع، ج ١، ص ٢٧٧؛ المقدمات الممهدات، "كتاب الزكاة الأول"، ج ١، ص ٣٠٣ - ٣٠٥.
(٣) التوزري العباسي: الفتاوى التونسية، ج ٢، ص ٦٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>