للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من البانكة التي هي المروجة لها، لِمَا علمتَ من أن القيمةَ تُعتبر ولو بإمكان بيعها للغير بما تجب زكاتُه، كبيع المدين لها بعرض وبيع غيره لها بالنقدين، وكما هو نصُّ سماع عيسى بن دينار وظاهرُ المدونة، واعتمده ابنُ الجلاب. (١)

هذا ومن المقرَّر في الشريعة أن حكمةَ مشروعية الزكاة مواساة الفقير، كما أومأ إليه حديثُ ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: "فأعْلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ على فقرائهم". (٢) قال الإمام أبو عبد الله المازري في كتاب "المعلم على صحيح مسلم": "قد أفهم الشرعُ أن الزكاة شرعت للمواساة في مال له بال، ولهذا حد النصاب وكأنه لم ير فيما دونه محملًا، وتلك هي الأموال المعرضة للنماء". (٣)


(١) قال في سماع عيسى بن دينار: "قلت [أي لابن القاسم]: أرأيت لو كان دينًا لا يُرتجى قضاؤه، وهو لو باعه الساعة بعرض، باعه بنصف ثمنه أو ثلث ثمنه، هل يحسب ذلك أم لا يُحسب؟ قال: إن كان يجزيه ذلك، حسب الذي يجده (أو يجديه) وتمام الدين فيما في يديه، وزكى ما بقي إن كان بقي ما تجب فيه الزكاة. قال سحنون: يزكي قيمة الدين ولا يُزكي عدده، إذا كان صاحبه موسرًا، وابن القاسم يقول: يزكي عدده". وعلق عليه ابن رشد بقوله: "وقد اختلف إذا كان الذي عليه الدين موسرًا: هل يزكي عدده أو قيمته على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يزكي عدده حالًّا أو مؤجلًا، وهو ظاهر قول ابن القاسم ههنا. والثاني أنه يزكي قيمته لا عدده، وهو قول سحنون وظاهر ما في المدونة؛ قال محمد بن المواز: وهو القياس، غير أني ما علمت أحدًا من أصحاب مالك يقول به. والثالث أنه إن كان حالًّا زُكِّي عدده، وإن كان مؤجلًا زكي قيمته. ومن الناس من يجعل هذا القولَ مفسِّرًا لقول ابن القاسم ههنا، ولما في المدونة، وكتاب ابن المواز. والأظهر أنه قولٌ ثالث في المسألة، والله الموفق". ابن رشد: البيان والتحصيل، "كتاب زكاة الذهب والورق"، ج ٢، ص ٣٩٤ - ٣٩٥؛ المدونة الكبرى، "كتاب الزكاة الأول"، ج ١، ص ٣٦٦ - ٣٦٧؛ ابن الجلاب: التفريع، ج ١، ص ٢٧٨.
(٢) صحيح البخاري، "كتاب الزكاة"، الحديث ١٣٩٥، ص ٢٢٤ - ٢٢٥؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ٢٩ (١٩)، ص ٣٣؛ سنن الترمذي، "كتاب الزَّكاة"، الحديث ٦٢٥، ص ١٨٠؛ سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الزكاة"، الحديث ١٥٨٤، ص ٢٥٩.
(٣) أورد المصنف كلام المازري بتصرف، وتمامه: "أصل الزكاة في اللغة النماء. فإن قيل: كيف يستقيم هذا الاشتقاق ومعلوم انتقاص المال بالإنفاق؟ قيل: وإن كان نقصًا في الحال، فقد يفيد النمو =

<<  <  ج: ص:  >  >>