للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصلُ المسألة في تبصرة اللخمي في باب بيوع الآجال، ونصُّه: "قال مالك في الحاج يتسلف الدقيق أو السويق أو الكعك يحتاج إليه، ويقول: أُوفِيكَهُ بموضع كذا ببلد آخر، لا خيرَ فيه. ولكن يتسلف ولا يشترط، وقال سحنون في الحمديسية (١): لا بأسَ بذلك للحاج ونحوه للضرورة، ولولا الشرط لم يسلفه، وهو أحسن". (٢)

وقصدهم من المنفعة المنجرة للمقرض في هاتين المسألتين هي منفعة أخذ السالم مع كون السلف سائسًا، ومنفعة قبض الطعام في البلد الذي يريده المقرض دون أن يقبله في حيث يشاء المقترض.

ونحن إذا نظرنا إلى ما تشتمل عليه هذه المعاملةُ نجدها ترجع إلى اعتبار الحاجي القريب من الضروري، فإن خضَّارة غلة الزيتون تكثر حاجتهم إلى اقتراض المال لإقامة خدماتهم، وأصحاب المعاصر بحاجة إلى إيجاد الزيتون ليعصر في معاصرهم كل يوم لئلا تضيع نفقاتهم، وأجور عمال المعاصر في بعض الأيام التي لا يحلب لهم فيها الزيتون، فيؤول بهم ذلك إلى خسائر طائلة، ولو حرم أصحاب المعاصر من هذه المعاملة لأعرض أكثرهم عن هالته الحرفة، فيحل فيها غير المسلمين،


(١) لم يذكر المترجمون لسحنون كتابًا بهذا الاسم، والظاهر أنها رواية عنه نقلها تلميذه حمديس القطان؛ إذ إننا نصادف - أحيانًا - في أثناء بعض كتب المالكية - وخاصة في التوضيح لخليل بن إسحاق أقوالًا لابن القاسم عن مالك ولابن عبد الحكم ولسحنون نقلًا عن كتاب يدعى الحمديسية، لعله لأبي جعفر أحمد بن محمد الأشعري، المعروف بحمديس، والمتوفى سنة ٢٨٩/ ٩٠١. التوزري العباسي: الفتاوى التونسية، ج ٢، ص ١٠١١ (الحاشية رقم ١).
(٢) مع أنه قد تم تحقيق الأجزاء المشتملة على كتب الصرف، والسلم الأول والثاني والثالث، وبيوع الآجال من تبصرة اللخمي في إطار رسالة علمية بجامعة أم القرى، إلا أنه لم يتيسر لي الاطلاعُ عليها لتوثيق ما نقله المصنف عن اللخمي. وقد ذكر خليل بن إسحاق المسألة في شرحه لكلام ابن الحاجب: "وفي سلف السايس بالسالم في زمن المسغبة، والدقيق والكعك للحاج بدقيق في بلد بعينه، قولان، قال: يتسلف ولا يشترط"، فقال: "وتصوُّرُ كلامه ظاهر، والمشهور المنعُ في المسألتين، والشاذُّ لسحنون. وقَيَّد اللخميُّ المشهورَ بما إذا لم يقُم دليلٌ على إرادة نفع المستسلِف فقط، وأما إن قام ذلك فيجوز". المالكي: التوضيح، "كتاب السلم"، ج ٦، ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>