للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تأخر، كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها «فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني (١) » فبين عليه الصلاة والسلام أنه أخشى الناس صلى الله عليه وسلم، وأنه أتقى الناس لله وأعلمهم بما يتقى عليه الصلاة والسلام وهكذا الرسل قبله هم أعلم الناس بالله وأتقاهم لله ثم يليهم العلماء على مراتبهم، ولكن لا يلزم من كمال خشية الله والخوف منه أن يكونوا معصومين من الخطأ، بل كل عالم قد يخطئ فمتى بان له الحق رجع إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون (٢) » . فعلى طالب العلم أن يتحرى الحق بدليله ويجتهد في ذلك ويسأل ربه التوفيق والإعانة ويخلص النية فإن أخطأ مع ذلك فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالخشية لله تقتضي الوقوف عند حدود الله والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا زاد على ذلك صار تنطعا وغلوا لا يجوز، فالعالم هو الذي يقف عند حدود الله في الإباحة والمنع وفي العمل والترك، لكنه مع ذلك يكون شديد الحذر أن يقول على الله بغير علم أو يعمل بخلاف ما علم، فيشابه اليهود في ذلك، وقد ذكر الله سبحانه عن بعض أهل الكتاب العاملين الأتقياء خصالا حميدة تذكيرا لنا بذلك فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (٣) ففي التاريخ والقصص عبر كما قال عز وجل. وقال سبحانه: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (٤) {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٥)


(١) صحيح البخاري النكاح (٥٠٦٣) ، صحيح مسلم النكاح (١٤٠١) ، سنن النسائي النكاح (٣٢١٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٨٥) .
(٢) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٩٩) ، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٥١) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/١٩٨) ، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٢٧) .
(٣) سورة يوسف الآية ١١١
(٤) سورة آل عمران الآية ١١٣
(٥) سورة آل عمران الآية ١١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>