الأسواق إلى الكرخ وبناها من ماله بعد مائة سنة وست وخمسين سنة وخمسة أشهر وعشرين يوما، ثم بدأ بعد ذلك في بناء قصر الخلد على شاطئ دجلة بعد شهر وأحد عشر يوما.
قال محمد بن خلف: وأخبرني الحارث بن أبي أسامة قال: لما فرغ أبو جعفر المنصور من مدينة السلام، وصير الأسواق في طاقات مدينته من كل جانب، قدم عليه وفد ملك الروم، فأمر أن يطاف بهم في المدينة ثم دعاهم، فقال للبطريق: كيف رأيت هذه المدينة؟ قال: رأيت أمرها كاملا إلا في خلة واحدة. قال: ما هي؟ قال: عدوك يخترقها متى شاء وأنت لا تعلم، وأخبارك مبثوثة في الآفاق لا يمكنك سترها. قال: كيف؟ قال: الأسواق فيها، والأسواق غير ممنوع منها أحد فيدخل العدو كأنه يريد أن يتسوق، وأما التجار فإنها ترد الآفاق فيتحدثون بأخبارك. قال: فزعموا أنه أمر المنصور حينئذ بإخراج الأسواق من المدينة إلى الكرخ، وأن يبنى ما بين الصراة إلى نهر عيسى، وولى ذلك محمد بن حبيش الكاتب، ودعا المنصور بثوب واسع فحد فيه الأسواق، ورتب كل صنف منها في موضعه، وقال: اجعلوا سوق القصابين في آخر الأسواق، فإنهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع. ثم أمر أن يبنى لأهل الأسواق مسجد يجتمعون فيه يوم الجمعة لا يدخلون المدينة ويفرد لهم ذلك، وقلد ذلك رجلا يقال له: الوضاح بن شبا، فبنى القصر الذي يقال له: قصر الوضاح والمسجد فيه، وسميت الشرقية لأنها في شرقي الصراة، ولم يضع المنصور على الأسواق غلة حتى مات. فلما استخلف المهدي أشار عليه أبو عبيد الله بذلك، فأمر فوضع على الحوانيت الخراج، وولى