عني من ذلك فبستر الله الذي ستره علي، ولولا ستره لم يبق لنا ثناء، ولا التقاء على مودة، فالستر هو الذي أجلسني بين يديك يا أمير المؤمنين، إني والله ما رأيت وجها أحسن من وجهك، فلا تحرق وجهك بالنار، قال: فبكى هارون بكاء شديدا، ثم دعا بماء فاستسقى، فأتي بقدح فيه ماء، فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء؟ قال: قل ما أحببت، قال: يا أمير المؤمنين، لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ فقال: نعم، قال: فاشرب ريا بارك الله فيك، فلما فرغ من شربه قال له: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قال: نعم، قال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه؟ قال: فبكى هارون، واشتد بكاؤه، قال: فقال يحيى بن خالد: يا ابن السماك، قد آذيت أمير المؤمنين، فقال له: وأنت يا يحيى فلا يغرنك رفاهية العيش ولينه.
أخبرني بكران بن الطيب السقطي بجرجرايا، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد المفيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني أبي المغيرة بن شعيب قال: حضرت يحيى بن خالد البرمكي يقول لابن السماك: إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عليه، قال: فلما دخل عليه وقام بين يديه، قال: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله مقاما، وإن لك من مقامك منصرفا، فانظر إلى أين منصرفك، إلى الجنة أم إلى النار؟ قال: فبكى هارون حتى كاد أن يموت.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: حدثنا الحسين بن محمد الدهقان، قال: حدثنا محمد بن الحسن المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن عبد العزيز