وقيل: إنما سميت المدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة، وأثروا فيها من الآثار. وهي على جانبي دجلة شرقا وغربا، ودجلة تشق بينهما، وتسمى المدينة الشرقية: العتيقة، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه، وتتصل به المدينة التي كانت الملوك تنزلها، وفيها الإيوان، وتعرف بأسبانبر، وأما المدينة الغربية فتسمى بهرسير.
وكان الإسكندر، أجل ملوك الأرض، نزلها، وقيل: إنه ذو القرنين الذي ذكر الله تعالى في كتابه، فقال: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ وبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وله في كل إقليم أثر، فبنى بالمغرب الإسكندرية، وبنى بخراسان العليا على ما يقال: سمرقند ومدينة الصغد، وبنى بخراسان السفلى مرو وهراة، وبنى بناحية الجبل جي مدينة أصبهان، وبنى مدنا أخر كثيرة في نواحي الأرض وأطرافها، وجول الدنيا كلها ووطئها، فلم يختر منها منزلا سوى المدائن فنزلها. وبنى بها مدينة عظيمة وجعل عليها سورا أثره باق إلى وقتنا هذا موجود الأثر، وهي المدينة التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وأقام الإسكندر بها راغبا عن بقاع الأرض جميعا وعن بلاده ووطنه.
وذكر بعض أهل العلم: أنها لم تزل مستقره بعد أن دخلها حتى مات بها، وحمل منها فدفن بالإسكندرية لمكان والدته، فإنها كانت باقية هناك.
وقد كان ملوك الفرس لهم حسن التدبير والسياسة والنظر في الممالك، واختيار المنازل، فكلهم اختار المدائن وما جاورها؛ لصحة تربتها وطيب