ويذكر عن الحكماء أنهم يقولون: إذا أقام الغريب على دجلة من بلاد الموصل تبين في بدنه قوة، وإذا أقام بين دجلة والفرات بأرض بابل تبين في فطنته ذكاء وحدة وفي عقله زيادة وشدة، وذلك الذي أورث أهل بغداد الاختصاص بحسن الأخلاق والتفرد بجميل الأوصاف، وقل ما اجتمع اثنان متشاكلان، وكان أحدهما بغداديا، إلا كان المقدم في لطف الفطنة، وحسن الحيلة، وحلاوة القول، وسهولة البذل؛ ووجد ألينهما معاملة، وأجملهما معاشرة. وكان حكم المدائن، إذ كانت عامرة آهلة، هذا الحكم.
ولم تزل دار مملكة الأكاسرة، ومحل كبار الأساورة. ولهم بها آثار عظيمة، وأبنية قديمة، منها: الإيوان العجيب الشأن، لم أر في معناه أحسن منه صنعة، ولا أعجب منه عملا؛ وقد وصفه أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري في قصيدته التي أولها [من الخفيف]:
صنت نفسي عما يدنس نفسي … وترفعت عن جدا كل جبس
إلى أن قال:
وكأن الإيوان من عجب الصنـ … ـعة جون في جنب أرعن جلس
يتظنى من الكآبة إذ يبـ … ـدو لعيني مصبح أو ممسي
مزعجا بالفراق عن أنس إلف … عز أو مرهقا بتطليق عرس
عكست حظه الليالي وبات الـ … ـمشتري فيه وهو كوكب نحس