بدويا قحا، وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب، وأكثر من ملازمة الوراقين، فكان علمه من دفاترهم، فأخبرني وراق كان يجلس إليه يوما، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عيدان قط، فقلت له: كيف؟ فقال: كان اليوم عندي، وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي سماه الوراق، وأنسيه أبو الحسن، يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه. قال: فأخذ ينظر فيه طويلا، فقال له الرجل: يا هذا أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر. قال: فقال له ابن عيدان: فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فمالي عليك؟ قال: أهب لك الكتاب، قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلوه علي إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كمه وقام، فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن. فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي. قال: فمنعناه منه، وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام، فتركه عليه
وقال أبو الحسن: كان عيدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفى، وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا أشك فيها، وكانت جارتنا، وكانت من صلحاء النساء الكوفيات.
قال التنوخي: قال أبي: فاتفق مجيء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفا من فارس، فذاكرته بأبي الحسن، فقال: تربي وصديقي وجاري بالكوفة، وأطراه ووصفه. وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به، وقال: أنا رجل أحيط القبائل، وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد، فأنا أسلم على جميعهم، ويخافون لساني.
قال: واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي الكوفي، وجرى ذكر المتنبي، فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة