قال أبو اليسر: وكان أبو محمد بن الأصبغ صديقنا من أهل الأدب، ويعجبه أن يكاتب إخوانه ويكاتبونه بكلام يخرج منه إلى شعر، ومن الشعر إلى كلام بلا انفصال، فاعتل في بعض الأيام وشرب دواء، فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، كيف كنت يا سيدي، أطال الله بقاءك، من شربك للدواء جعل الله فيه شفاءك [من الطويل]:
فإني لما أظهرته من تألم أشد لما تشكوه منك تألما أرى بي من الأوصاب ما بك بل أرى الـ ـذي بي لعمري منك أدهى وأعظما فلا زلت طول الدهر في كل نعمة معافى على رغم الحسود مسلما وأعقبك الله السلامة إثر ما شربت وأعطاك الشفاء متمما ودمت على مر الليالي مبلغا أمانيك محبوا بذاك مكرما فلو وقي أحد من صرف دهر، وعوفي من ألم وشر، لكرم طباعه، وطيب نجاره، وشرف فعاله، وخيرية جملته، وكمال حريته، لكنت الموقى من ذلك، لكن الله أحسن اختيارا منك لنفسك، فأثاب الله على ما أعل، وضاعف عليه الأجر والحمد، وهو يقيني فيك، ويحرسك ويكفيك، ويصرف عنك الأسواء ويمنحك النعماء، فما حق نفسك أن تغرم، ولا جسمك أن يألم، لولا ما أراد الله في ذلك من خير لك، ثم أقول [من الطويل]:
ولو أنصفتك الحادثات لزايلت رباعك واحتلت رباع الألائم وأصبحت الآلام لا تهتدي إلى ذراك ولا تنحو سبيل الأكارم وما كنت إلا سائر الدهر سالما توقى على رغم العدا والمراغم