ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول: يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول: اخطب. ويقول هذا فلان الشاعر فيقول: أنشد حتى كنت آخر من بقي فقال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة، فسمعته يقول: لا مرحبا ولا أهلا ولا أنعم الله به عينا. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت فقال أبو الخصيب: أنشد فأنشدته من الطويل:
سرى ثوبه عنك الصبي المخايل وقرب للبين الخليط المزايل حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في خفاء سريرة أذاكرها فيها عقاب ونائل فأما الذي أمنته يأمن الردى وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل فقال: يا غلام ارفع عني الستر فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم قال: تمم القصيدة. فلما فرغت منها قال: ادن فدنوت ثم قال: اجلس فجلست، وبين يديه مخصرة فقال: يا إبراهيم قد بلغتني عنك أشياء لولا ذلك لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك. فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي فقلت: يا أمير المؤمنين، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فتناول المحضرة فضربني بها فقلت (من الرجز):
أصبر من ذي ضاغط عركرك ألقى بواني زوره للمبرك ثم ثنى فضربني فقلت (من الرجز):
أصبر من عود بجنبيه جلب قد أثر البطان فيه والحقب فقال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة، وألحقتك بنظرائك من