تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الرخاء أمن عادية الدهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل ذي عفو، كما جعل كل ذي ذنب دونه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبحقه. فوقع المأمون في قصته أمانه، وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة وكفى بالندم إنابة، وعفو الله أوسع من كل شيء. ولما دخل إبراهيم على المأمون قال (من الخفيف):
إن أكن مذنبا فحظي أخطأ ت فدع عنك كثرة التأنيب قل كما قال يوسف لبني يع قوب لما أتوه لا تثريب فقال: لا تثريب.
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، قال: حدثنا أبو معشر موسى بن محمد الماليني، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن حميد بن فروة البصري، قال: حدثني أبي حميد بن فروة قال: لما استقرت للمأمون الخلافة دعا إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة فوقف بين يديه فقال: يا إبراهيم أنت المتوثب علينا تدعي الخلافة؟ فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين أنت ولي الثأر والمحكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن أخذت أخذت بحق، وإن عفوت عفوت بفضل، ولقد حضرت أبي وهو جدك، وأتي برجل وكان جرمه أعظم من جرمي فأمر بقتله، وعنده المبارك بن فضالة، فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يستأني في أمر هذا الرجل حتى أحدثه بحديث سمعته من الحسن قال: إيه يا مبارك. فقال: حدثنا الحسن، عن عمران بن الحصين أن رسول الله ﷺ قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومن العافون