أو نحوها، وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جدا، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور، حتى إذا بلغ الدور إليه أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى فني العنقود، والمعتضد يتميز غيظا. قال: فرجع ولم يدخل الدار، ورأيته مهموما، فقلت: يا مولاي، ما سبب ما فعلته وما قد بان عليك؟ فقال: يا صافي، والله لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإن في قتله صلاحا للأمة. فقلت: يا مولاي، حاشاه! أي شيء عمل؟! أعيذك بالله، يا مولاي العن إبليس. فقال: ويحك! أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الأمور، وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولابد من موتي، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي، وسيجلسون ابني عليا - يعني المكتفي - وما أظن عمره يطول للعلة التي به - قال صافي: يعني الخنازير التي كانت في حلقه - فيتلف عن قرب، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي، ولا يجدون بعده أكبر من جعفر، فيجلسونه وهو صبي، وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان، فيحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب، ويبذر ارتفاع الدنيا ويخربها، فتضيع الثغور، وتنتشر الأمور، وتخرج الخوارج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلا. فقلت: يا مولاي، بل يبقيك الله حتى ينشأ في حياة منك، ويصير كهلا في أيامك، ويتأدب بآدابك، ويتخلق بخلقك، ولا يكون هذا الذي ظننت. فقال: احفظ عني ما أقوله، فإنه كما قلت. قال: ومكث يومه مهموما، وضرب الدهر ضربته ومات