ففتح، فاستطابه وقال: أخرجوا منه قليلا. فأخرج منه مقدار ثلاثين أو أربعين مثقالا، فاستعمل منه في الحال ما أراده، ودعا بعتيدة له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الأيام، وأمر بالحب فختم بحضرته ورفع. ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة، وجلس مع الجواري يشرب يوما، وكنت على رأسه، فأراد أن يتطيب، فاستدعى الخادم وسأله، فأخبره بمثل ما أخبر به أباه وأخاه، فقال: هات الغوالي كلها. فأحضرت الحباب كلها، فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال، وخمسين، وأقل وأكثر، فيشمه ويفرقه على من بحضرته، حتى انتهى إلى حب الواثق فاستطابه، فقال: هاتم عتيدة حتى يخرج إليها من هذا ما يستعمل. فجاءوه بعتيدة، وكانت عتيدة المكتفي بعينها، ورأى الحب ناقصا والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كبير شيء، فقال: ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالخبر على شرحه، فأخذ يعجب من بخل الرجلين ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الحب بأسره على الجواري. فما زال يخرج منه أرطالا أرطالا وأنا أتمزق غيظا، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد، إلى أن مضى قريب من نصف الحب، فقلت له: يا مولاي، إن هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها، وما لا يعتاض منه، فلو تركت ما بقي فيها لنفسك وفرقت من غيرها كان أولى. قال: وجرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد، فاستحيى مني ورفع الحب، فما مضت إلا سنين من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي، واحتاج أن عجن غالية بمال عظيم.
أخبرنا علي بن المحسن بن علي قال: حدثني أبي قال: أجري في مجلس أبي يوما ذكر المقتدر بالله وأفعاله، فقال بعض الحضار: كان جاهلا. فقال أبي: مه؛ فإنه لم يكن كذلك، وما كان إلا جيد العقل صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثرا للشهوات، ولقد سمعت أبا الحسن علي بن عيسى يقول - وقد