العباس عبد الله بن طاهر من الشام، ارتفع فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع في جواره، فقال لعمرويه: ما هذا الدخان؟ فقال: أظن القوم يخبزون، فقال: ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟ ثم دعا حاجبه فقال: وامض ومعك كاتب، فاحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع. قال: فمضى فأحصاهم فبلغ عدد صغيرهم وكبيرهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم في كل يوم بمنوين خبزا، ومنا لحم، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مائة وخمسين درهما، وفي الصيف مائة درهم، وكان ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد، فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس.
أخبرنا أحمد بن عمر الغضاري، قال: أخبرنا جعفر الخلدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، قال: حدثني عبد الله بن الربيع، قال: حدثني محلم بن أبي محلم الشاعر، عن أبيه قال: شخصت مع عبد الله بن طاهر إلى خراسان في الوقت الذي شخص، وكنت أعادله وأسامره، فلما صرنا إلى الري مررنا بها سحرا، فسمعنا أصوات الأطيار من القمارى وغيرها، فقال لي عبد الله: لله در أبي كبير الهذلي حيث يقول [من الطويل]:
إلا يا حمام الأيك إلفك حاضر وغصنك مياد ففيم تنوح قال: ثم قال: يا أبا محلم هل يحضرك في هذا شيء؟ فقلت: أصلح الله الأمير، كبرت سني وفسد ذهني، ولعل شيئا أن يحضرني، ثم حضر شيء، فقلت: أصلح الله الأمير، قد حضر شيء تسمعه؟ فقال: هاته. فقلت [من الطويل]:
أفي كل عام غربة ونزوح أما للنوى من ونية فتريح لقد طلح البين المشت ركائبي فهل أرين البين وهو طليح وذكرني بالري نوح حمامة فنحت وذوا الشجو الحزين ينوح