قد ولى علينا رجلا يقتطع أرزاقنا ويسيء فيما بيننا وبينه. فلم يجبهم إلى شيء، فبلغ ذلك سفيان، فتلقاه أسفل القنطرة وشيعه حتى جاوز النجف وزاده في البر، فلما كان في العام المقبل قدم أبو جعفر وهو يريد الحج، فاجتمع إليه الأضراء فكلموه بما كلموه به في العام الماضي فرق لهم، فأتى باب الذهب؛ فقال للحاجب: استأذن لي على أمير المؤمنين وأخبره أن بالباب أبا جعفر الرازي، فأسرع الرسول أن ادخل، فدخل على المنصور فأكرمه بغاية الكرامة، وجعل يسأله عن أحواله وسأله هل له حاجة؟ فقال: نعم. فقص عليه قصة الأضراء؛ فقال: يعزل عنهم كاتبهم ويولى عليهم من أحبوا ويؤمر لأبي جعفر بعشرة آلاف لسؤاله إيانا هذه الحاجة، فلما صارت الدراهم بيده سقط في يديه وعلم أنه قد أخطأ، فجلس بسور القصر ثم دعا بخرق فجعلها صررا ففرقها على قوم، وقام فنفض ثوبه وليس معه منها شيء، فبلغ ذلك سفيان الثوري، فلما دخل أبو جعفر الرازي الكوفة توارى سفيان فطلبه فلم يقدر عليه، وسأل عنه فلم يدل عليه، فامتعض له بعض إخوان سفيان؛ فقال له: ألك إليه حاجة؟ فقال: نعم؛ فقال: اكتب كتابا وادفعه إلي أوصله لك إليه. فكتب كتابا ودفعه إليه، قال: فصرت بالكتاب إلى سفيان، فإذا أنا به في غرفة وإذا هو مستلق على قفاه قد وضع رجله على الأخرى مستقبل القبلة، فسلمت عليه وأظهرت الكتاب؛ فقال لي: مه؟ فقلت: كتاب أبي جعفر الرازي؛ فقال: اقرأه. فقرأته؛ فقال لي: اكتب جوابه في ظهره. فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت له: ماذا أكتب؟ قال: اكتب ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إلى آخر الآية، أردد إلينا بضاعتنا لا حاجة لنا في أرباحها، قال: فأتيته بالكتاب، والناس إذ ذاك متوافرون بالكوفة، فنظروا في الكتاب وأجمع رأيهم على أنهم يوجهون بالكتابين إلى ابن أبي ليلى ولا يعلمونه ممن الكتاب ولا من صاحب الجواب؛ ليعرفوا ما عنده من الرأي.