علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة، والثقة والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها القراءات، فإن له فيها كتابا مختصرا موجزا جمع الأصول في أبواب عقدها أول الكتاب.
وسمعت بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات، وصار القراء بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم ويحذون حذوه.
ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتاب السنن الذي صنفه يدل على أنه كان ممن اعتنى بالفقه؛ لأنه لا يقدر على جمع ما تضمن ذلك الكتاب إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام. وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل: بل درس الفقه على صاحب لأبي سعيد، وكتب الحديث عن أبي سعيد نفسه.
ومنها أيضا المعرفة بالأدب والشعر، وقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة من الشعراء. وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول: كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر، فنسب إلى التشيع لذلك.
وحدثني الأزهري: أن أبا الحسن لما دخل مصر كان بها شيخ علوي من أهل مدينة رسول الله ﷺ، يقال له: مسلم بن عبيد الله، وكان عنده كتاب النسب عن الخضر بن داود، عن الزبير بن بكار، وكان مسلم أحد الموصوفين بالفصاحة، المطبوعين على العربية، فسأل الناس أبا الحسن أن يقرأ عليه كتاب النسب، ورغبوا في سماعه بقراءته، فأجابهم إلى ذلك. واجتمع في المجلس من كان بمصر من أهل العلم والأدب والفضل، فحرصوا على أن يحفظوا على أبي الحسن لحنة، أو يظفروا منه بسقطة، فلم يقدروا على ذلك. حتى جعل مسلم يعجب ويقول له: وعربية أيضا.