وما زال يدنيه حتى أتكأه فخذه، وتحفى به، ثم سأله، عن نفسه، وعن عياله فسماهم رجلا رجلا، وامرأة امرأة، ثم قال: يا أبا عثمان عظني، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا أبا جعفر ﴿لَبِالْمِرْصَادِ﴾ قال: فبكى بكاء شديدا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة، وقال زدني، فقال: إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من كان قبلك، ثم أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها، عن يوم القيامة، قال: فبكى، والله أشد من بكائه الأول، حتى رجف جنباه، فقال له سليمان بن مجالد: رفقا بأمير المؤمنين، قد أتعبته منذ اليوم، فقال له عمرو: بمثلك ضاع الأمر وانتشر، لا أبا لك، وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله، فقال له أمير المؤمنين: يا أبا عثمان أعني بأصحابك أستعن بهم، قال: أظهر الحق يتبعك أهله، قال: بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن، وقال ابن دريد: أن عبد الله بن حسن - كتب إليك كتابا، قال: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه، قال: فبم أجبته؟ قال: أو ليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا؟ إني لا أراه، قال: أجل لكن تحلف لي ليطمئن قلبي، قال: لئن كذبتك تقية، لأحلفن لك تقية، قال: والله والله أنت الصادق البر، قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تسعتين بها على سفرك وزمانك، قال: لا حاجة لي فيها، قال: والله لتأخذنها، قال: والله لا أخذتها، فقال له المهدي: يحلف أمير المؤمنين وتحلف، فترك المهدي وأقبل على المنصور، فقال: من هذا الفتى، فقال: هذا ابني محمد، وهو المهدي ولي العهد، قال: والله لقد أسميته اسما ما استحقه عمله، وألبسته لبوسا ما هو من لبوس الأبرار، ولقد مهدت له أمرا أمتع ما يكون به، أشغل ما يكون عنه، ثم التفت إلى المهدي