بناء لم يبنه أحد كان قبلك، وفيه ثلاثة عيوب. قال: وما هي؟ قال: أما أول عيب فيه فبعده عن الماء، ولا بد للناس من الماء لشفاههم، وأما العيب الثاني فإن العين خضرة وتشتاق إلى الخضرة وليس في بنائك هذا بستان، وأما العيب الثالث فإن رعيتك معك في بنائك، وإذا كانت الرعية مع الملك في بنائه فشا سره. قال: فتجلد عليه المنصور، فقال له: أما قولك في الماء فحسبنا من الماء ما بل شفاهنا، وأما العيب الثاني فإنا لم نخلق للهو واللعب، وأما قولك في سري فما لي سر دون رعيتي. قال: ثم عرف الصواب فوجه بشميس وخلاد، وخلاد هو جد أبي العيناء، فقال: مدا لي قناتين من دجلة، واغرسوا لي العباسية، وانقلوا الناس إلى الكرخ.
قلت: مد المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة، وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات، وجرهما إلى مدينته في عقود وثيقة من أسفلها، محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منهما تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، وتجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في وقت، وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهرا يقال له: نهر الدجاج، وإنما سمي بذلك لأن أصحاب الدجاج كانوا يقفون عنده، ونهرا يقال له: نهر القلائين حدثنا من أدركه جاريا يلقي في دجلة تحت الفرضة، ونهرا يسمى نهر طابق، ونهرا يقال له نهر البزازين فسمعت من يذكر أنه توضأ منه، ونهرا في مسجد الأنباريين رأيته لا ماء فيه. وقد تعطلت هذه الأنهار ودرس أكثرها حتى لا يوجد له أثر. وأنهارا نذكرها بعد إن شاء الله تعالى