للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «١» .

ثم قال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم» ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» !!.

[العفو عند المقدرة]

ألا ما أجمل العفو عند المقدرة، وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد وعلى الانتقام، بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عن من؟ عن قوم طالما عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة!!.

إن غاية ما يرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي!! والنبوة من خصائصها كبح النفس ومغالبة الهوى، والعفو والتسامح، أليس من صفاته التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح؟ لقد ضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها، وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، والعدل والوفاء وسمو النفس لم تعرفه الدنيا، ولن تعرفه في تاريخها الطويل.

ارجع ببصرك قليلا إلى ما فعله الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا: قرن الحضارة كما يقولون، لتعلم علم اليقين فرق ما بين النبوة وغير النبوة، والإسلام وغير الإسلام.

[إسلام أبي قحافة]

وبعد الفتح جاء أبو بكر الصديق بأبيه أبي قحافة يقوده وقد كفّ بصره، فلما راه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا اتيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه بين


(١) سورة الحجرات: الاية ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>