للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما فرغ الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل- عليهما السلام- من بناء البيت جاء جبريل، وأرى الخليل المناسك كلّها، وأمره أن يؤذّن في الناس بالحج فقال:

يا رب وما يبلغ صوتي؟ فقال الله- عزّ شأنه-: «أذّن يا إبراهيم وعليّ البلاغ» فوقف الخليل على جبل أبي قبيس وصار ينادي: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من امن، ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: «لبّيك اللهمّ لبّيك» .

وحجّ الخليل إبراهيم، وحجّ إسحاق، وأمه سارة من بيت المقدس، ثم رجع الخليل إلى الشام، وكانت وفاته هناك عليه الصلاة والسلام «١» . ومن يومها صار الحج فريضة محكمة باقية إلى يوم القيامة، فلله الحمد والمنة على ما أنعم وشرع.

[المسجد الحرام]

ولما بنى الخليل وابنه إسماعيل البيت عرف بالكعبة، وصار الناس يحجون إليه، ويعتمرون ويطوفون به، ويصلّون إليه، وعرف ما حول الكعبة بالمسجد الحرام، وهو أول المساجد المشرّفة في الأرض التي تشدّ إليها الرحال، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» .

ولم يكن للمسجد الحرام سور، وكان تحيط به الدور من جميع الجهات، حتى كان عهد الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وضاق المسجد بحجّاج البيت وزوّاره، فلم يكن بدّ من توسعته، فاشترى الدور من أهلها، وهدمها ووسّع المسجد الحرام، وجعل له سورا على قامة الرجل، ووضع عليه السرج والمصابيح. فلما كان عهد عثمان- رضي الله تعالى عنه- اشترى دورا أخرى وزادها في المسجد. فلما ولي عبد الله بن الزبير أحكم بنيانه، وحسّن جدرانه، وأكثر أبوابه، ولم يوسعه. فلما ولي الأمر عبد الملك بن


(١) فتح الباري، ج ٦ ص ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>