للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قام من عندهم وتوجه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم وقال: أنتم تعرفون ودّي لكم ومحبتي إياكم، إني محدّثكم حديثا فاكتموه عني، فقالوا نفعل، فقال لهم: إن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من قريش وغطفان جمعا من أشرافهم، ونعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم.

ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أظنكم تتهمونني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال لهم: فاكتموا عني قالوا: نفعل، ثم أخبرهم بما أخبر به قريشا، وحذّرهم مثل ما حذّرهم.

[نجاح التدبير]

فلما كانت ليلة السبت من شوال أرسل أبو سفيان بن حرب رؤوس غطفان وفدا برئاسة عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر- الإبل والخيل- فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت، ولم يصبنا ما أصابنا إلا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم، فإنا نخشى إن ضرّستكم الحرب «١» واشتد عليكم القتال أن تذهبوا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا به.

فلما رجعت إليهم الرسل بذلك قالوا: والله إن الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فلما انتهت إليهم الرسل بذلك قالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى قريش وغطفان: أنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن. وهكذا بلغ هذا التدبير المحكم غايته بالتفرقة بين قريظة والأحزاب.


(١) ضرستكم: ضعضعتكم ونالت منكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>