وكان صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما بهم، يتعهد حاضرهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسلّم عليهم، ويشمّت عاطسهم، ويواسي فقيرهم، ويعين ضعيفهم، ويشاركهم في السراء والضراء، ويعود مريضهم، ويشيّع ميتهم، ويكسو عاريهم، ويشبع جائعهم، ويرعى أراملهم، وأيتامهم، ويجالس فقراءهم والأعبد منهم، ويحنّك أطفالهم، ويبارك عليهم، ويداعب صبيانهم ليدخل السرور على نفوسهم.
ما رؤي مادّا رجليه بينهم، ولا عابسا في وجه أحد منهم، ولا استأثر عليهم بشيء لنفسه ولا لأهله، ولما عرض عليه صاحباه في ركوب البعير في غزوة بدر أن يعفياه من نوبته في المشي أبى، وقال:«ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» . وكان مع أصحابه في سفر، فذبحوا شاة، فقال واحد منهم:
عليّ ذبحها، وقال الاخر: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال رسول الله:«وعليّ جمع الحطب» فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك العمل، فقال:«علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» ، وفي حجة الوداع ذهب ليشرب من السقاية، فأراد عمه العباس أن يميزه بشراب خاص من البيت، فأبى وقال:«لا أشرب إلا مما يشرب منه الناس» .
وكان كذلك لا يميز أهله بشيء، ففي قصة المخزومية التي سرقت، وأرادوا أن يشفعوا في عدم إقامة الحد عليها قال: «وايم الله: لو أن فاطمة بنت