للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم» .

وكيف لا يسر الرسول بهذه المواقف المشرفة التي مبعثها الإيمان الصادق الذي لا يعرف الضعف ولا الاستخذاء، والذي ظهرت ثمراته في كلمات طيبة مؤمنة، والتي كشفت عن معدن العرب المسلمين الأصيل، وأبانت الفرق الشاسع ما بين موقف اليهود من نبيهم موسى عليه السلام وموقف المسلمين من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وإنها لمقارنة صادقة حقة في هذا الموقف الدقيق، تشف عن نفاسة معدن العرب، وبطولتهم، وعن خبث معدن بني إسرائيل ونذلتهم.

تسنّط أخبار قريش

وارتحل المسلمون من «ذفران» ، حتى إذا كانوا على مقربة من بدر ركب رسول الله وصاحبه الصّديق حتى وقفا على شيخ من العرب يقال له: سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله:

«إذا أخبرتنا أخبرناك» فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم» ، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلما فرغ قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله:

«نحن من ماء» «١» !! ثم انصرفا عنه فقال الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق «٢» ؟

ثم رجع رسول الله وصاحبه إلى أصحابه. فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء


(١) هذا من التوريات البديعة، وهو يحتمل معنيين: أحدهما قريب وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد وهو الماء الذي خلق منه كل كائن حي، وهو مراد النبي.
(٢) يعني أمن المكان الذي بالعراق أم من غيره؟

<<  <  ج: ص:  >  >>