ها هي الوفود قد جاءت تترى من كل ناحية، وأضحت الجزيرة العربية مؤمنة موحّدة، وها هي دعائم الإسلام وشرائعه قد استقرت وبيّنها النبي بقوله وعمله، ولم يبق من أصول الإسلام ما هو في حاجة إلى البيان القولي والعملي من النبي صلى الله عليه وسلم إلا الحج، وها هو الصديق قد مهّد بالحج سنة تسع للنبي أن يحج بالناس ليوقفهم على مناسكه كما شرعه الله من لدن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولينفي عن الحج ما شابه من بدع ومستحدثات، وإنا لنلمس هذا المعنى جليا في قوله صلى الله عليه وسلم:«كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم»«١» . وقوله في هذه الحجة وهو يرمي جمرة العقبة:«لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم.
وتسمى هذه الحجة حجة الوداع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع المسلمين بهذا القول، وحجة الإسلام لأنه لم يحج بعد الهجرة غيرها، وأما قبل الهجرة فقد حجّ مرارا قبل النبوة وبعدها، وحجة البلاغ لأن النبي بلّغ الناس شرع الله في الحج قولا وعملا، وذكّرهم بالمهم من شرائع الإسلام، وحقوق الإنسان، وأشهد الله والناس على ذلك.
[الأذان بالحج]
ولم يكد يحل شهر ذي القعدة من هذا العام حتى أخذ رسول الله في التجهز للحج، وأذّن في الناس بذلك، وأمرهم بالتجهز، فصادفت الدعوة هوى في