لقد مكث النبي صلوات الله وسلامه عليه يدعو إلى الله على بصيرة ثلاثة عشر عاما بمكة، وأهلها واقفون عقبة كأداء في سبيل الدعوة، فلم يدخل في الإسلام طوال هذه المدة إلا عدد قليل لا يتناسب وهذه المدة من عمر الدعوة الإسلامية، حتى أذن الله للنور أن ينتشر، فيمّم النبي وجهه شطر قبائل العرب ووفودهم في موسم الحج، فوجد هذا النور من أهل المدينة- طيبة- عيونا متفتحة، واذانا صاغية، وقلوبا واعية، وسرعان ما سرى النور في المدينة كما يسري نور البدر في ظلمات الليل فيبددها، والماء العذب في الأرض الجدبة فينبتها، واحتضنت المدينة الإسلام والمسلمين كما تحتضن الأم الرؤوم أولادها، ووجد المسلمون في الأنصار خير إخوان وأعوان عرفتهم الدنيا في تاريخها الطويل.
وقد كان المحور الذي تدور عليه الدعوة في مكة انتزاع العقائد الضارة من شرك ووثنية، وإنكار للبعث والنبوات، وتثبيت العقائد الصحيحة في النفوس من توحيد، وإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الاخر، وإقامة الأدلة العقلية والوجدانية والافاقية والأنفسية على ذلك، ليؤمن من امن عن بيّنة واقتناع، ويكفر من كفر عن تعنّت وعناد، وقد مكث النبي في هذه الفترة يعلّم ويلقّن ويربّي ويتعهد، حتى صنع طرازا فريدا من الرجال، كانوا اللبنات الأولى التي منها أسس الإسلام وعليها قام صرحه العالي المنيف.
وطبعي أن يكون اتجاه الدعوة في مكة إلى هذه العقائد، فقد بعث النبي بين قوم وثنيين لا يؤمنون ببعث ولا رسالة، فكان المنهج المنطقي القويم في