وأرسلت قريش نحوا من خمسين رجلا منهم، عليهم مكرز بن حفص ليطيفوا بعسكر المسلمين عسى أن ينالوا منهم غرّة، فأسرهم حارس الجيش محمد بن مسلمة؛ وهرب رئيسهم، وأتى بهم إلى رسول الله فعفا عنهم تشبثا منه صلى الله عليه وسلم بخطة السلم، واحتراما للشهر الحرام أن يسفك فيه دم، وقد بهتت قريش حين عرفوا ذلك، وسقطت كل حجة لهم في أن النبي يريد حربا، وأيقنوا أن أي اعتداء من جانبهم على المسلمين لن تنظر إليه العرب إلا على أنه غدر لئيم، للمسلمين الحق كل الحق في أن يدفعوه- وما أقدرهم- بكل ما أوتوا من قوة، وفي هذا نزل قول الله:
لم يكن بدّ لقريش وقد جرى ما جرى من أن تفكر في الصلح جديا، وأن تنتهي هذه الحالة التي قد تدور بسببها الدائرة عليهم، فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ائت محمدا وصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله وراه تفاءل به وقال:«لقد سهل لكم من أمركم» وتكلم سهيل فأطال الكلام، وتراجع هو والنبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهيا إلى صيغة الصلح، وتم الاتفاق ولم يبق إلا الكتاب.