ولما بلغت سنه صلّى الله عليه وسلّم الثانية عشرة خرج عمه أبو طالب في تجارة له إلى الشام، فتعلقت نفس ابن أخيه به، ورغب في مصاحبته، فرقّ له عمه، واستصحبه معه حتى وصل الركب إلى (بصرى) من بلاد الشام، وكان بها راهب يقال له (بحيرى)«١» عنده علم بالكتب السماوية السابقة، وقد علم منها أنه قد ان مبعث نبي اخر الزمان وأنه من العرب.
وقد جذب انتباهه إلى القافلة أنه رأى غمامة تظلل شخصا منهم، فصنع لهم طعاما على غير عادته ودعاهم إليه، وهنا تختلف الروايات: ففي بعضها أنهم حضروا بما فيهم النبي، وفي بعضها أنهم حضروا جميعا وتركوا النبي عند رحالهم تحت شجرة قريبة منهم، فلما حضروا تفرّس فيهم فلم يجد صاحب الصفة التي يعرفها، فرغب في حضوره فأحضروه، فلما حضر صار يتفرّس فيه ويتعرف على بعض صفاته، ثم تحايل حتى رأى خاتم النبوة بين كتفيه على صفته التي عندهم في الكتاب، فأقبل على أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟
قال: ابني، قال بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون أبوه حيا!! قال أبو طالب: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال:
صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فو الله لئن رأوه، وعرفوا ما عرفت ليبغنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم.
(١) بحيرى: بفتح الباء وكسر الحاء مقصورا هو من علماء النصارى، قيل: كان من نصارى عبد القيس، وقال السهيلي وصاحب الإصابة: وقع في سيرة الزهري أن بحيرى كان حبرا من أحبار يهود تيماء.