للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شهادة أخرى للقران من الوليد بن المغيرة]

روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القران «١» ، فكأنما رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله!! قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل في القران قولا يبلغ قومك أنك منكر له، قال: وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إنّ لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق «٢» أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته!!

فقال أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر فيه، وبعد جهد جهيد، وصراع نفسي عنيف قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، ألم تروا أنه يفرّق بين الرجل وأهله، والولد ووالده «٣» !!

وفي رواية ابن إسحاق أن الوليد اجتمع هو ونفر من قريش ليجمعوا على رأي ليواجهوا به أهل الموسم فقد قرب، فقالوا: كاهن، فقال لهم:

ما هو بزمزمة الكهان، فقالوا: نقول: مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فقالوا: شاعر، فقال: ما هو بشاعر، فقالوا ساحر فقال:

ما هو بساحر، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ فقال مقالته الانفة في مدح القران، ثم غلبت عليه شقوته فقال: إن أقرب القول أن نقول: إنه ساحر «٤» .

وفي الوليد هذا أنزل الله سبحانه قوله:


(١) في بعض الروايات أن النبي قرأ عليه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ... الاية.
(٢) أي كثير الغدق أي الماء، والشجرة إذا كانت أصلها غدقا كانت نامية مثمرة.
(٣) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٦٠.
(٤) السيرة، ج ١ ص ٢٧٠، ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>