لئن كانت المدينة قد تطهّرت من اليهود وغدرهم فها هي خيبر «١» لا تزال حصنا حصينا لليهود وأهلها، ومن نزح إليها من يهود بني النضير الذين يحملون الحقد والضغن على الإسلام والمسلمين، وغير بعيد عنا ما قام به زعماء بني النضير الذين اتخذوا خيبر مقاما لهم، من تأليب العرب على المسلمين في الخندق، وحملهم بني قريظة على نقض العهود التي كانت بينهم وبين الرسول، ومن ثم نجد أن خيبر أصبحت مركزا لتجمعات اليهود يقومون منها بما يريدون من غدر ومكايد.
ولئن كان المسلمون بعد فتح الحديبية قد أمنوا قريشا والجنوب، لكنهم لم يأمنوا ناحية الشمال، ولا سيما أهل خيبر الذين لا ينسون ما فعل بإخوانهم اليهود، وليس ببعيد أن يستعينوا بهرقل أو كسرى في النيل من المسلمين، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو السياسي المحنك- ليخفى عليه شيء من هذا، لذلك لم يكد يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرا أو نحوه حتى أمر بالتجهز للخروج إلى خيبر، على ألايغزو معه إلا من شهد الحديبية كما أمر الله، وأراد بعض الأعراب الذين تخلّفوا عن الحديبية أن يخرجوا معه فقال لهم:«لا تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أما الغنيمة فلا أعطيكم منها شيئا» ، وقد أراد الرسول بذلك أن يبيّن لهم ألاحاجة له بالذين لا همّ لهم إلا الغنيمة، ولا يهمّهم نصر الإسلام، وولّى على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وصحب معه من أزواجه السيدة أم سلمة.