للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرغ من الرمي انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده، وقال: «نحرت ههنا ومنى كلها منحر» ونحر سيدنا علي الباقي وهي تمام المائة، ثم أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة «١» ، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها.

ثم حلق صلى الله عليه وسلم شعره والصحابة مطيفون به، ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد واحد منهم، وبذلك أحلّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وتطيب قبل أن يطوف بالبيت، والمسلمون جميعا يقتدون به في كل ما يصنع من المناسك، ثم أمر عليا أن يتصدق بلحوم البدن وجلودها وجلالها، ففعل.

[إلى الكعبة]

ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى جاء البيت ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بالإجماع، فطاف وصلّى بمكة الظهر، ولم يسع بين الصفا والمروة، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون الناس على بئر زمزم وقال: «انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلوا فشرب منه حتى تضلّع، وأتى السقاية «٢» التي يقوم بها العباس فقال: «اسقوني» فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فإن هذا يجعل الناس أيديهم فيه، فقال النبي: «لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس» .

وهكذا أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتميز على أمته حتى في الشراب، وهذا غاية العدل والمساواة، وهكذا فليكن الملوك والأمراء، والقادة والرؤساء. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى بعد الظهر، فنزل حيث المسجد الموجود اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين عن يمينه، والأنصار عن يساره، والناس حولهم من بعدهم.


(١) بضعة بفتح الباء: أي قطعة.
(٢) كانوا ينقعون التمر والزبيب في الماء ويسقون الناس، وهو من ماثر الجاهلية التي أقرها الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>