للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: اللات والعزّى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل «١» ليمر بهم، فيقولون له: أهذا إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده.

[شكاتهم إلى رسول الله ما يلاقون]

وفي بعض ساعات الضعف الإنساني كانوا يأتون إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- شاكين ما يجدون من شدائد وتعذيب، فيضرب لهم الأمثال، ويعظهم ويذكرهم، فيرجعون راضين مطمئنين صابرين على البلاء. روي عن خباب بن الأرتّ أنه قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد، وهو محمّر وجهه، وقال: «قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه!! وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله- عز وجل- والذئب على غنمه» وفي رواية: «ولكنكم تستعجلون» رواه البخاري ومسلم.

إنّ ما وعاه التاريخ الصادق مما كان يلاقيه المسلمون الأوائل من صنوف البلاء والعذاب قد بلغ من الروعة، والجلال، وعزة النظير ما يعتبر عند بعض الناس ضروبا من الخيال، ولكنها الحقيقة التي لا ريب فيها، إن الإنسان ليغضّ الطرف حياء، ويحمر وجهه خجلا حينما يستعرض هذه المواقف البطولية الفذة التي سمت بأصحابها إلى درجات سامقة من السمو الديني والخلقي والنفسي، وإليك طرفا من حديث هؤلاء القوم.

المعذّبون في الله

فمن هؤلاء السادة الأبطال: بلال بن رباح الحبشي، وكان اسم أمه حمامة، وكان مولاه أمية بن خلف الجمحي قاسي الكبد، غليظ القلب؛ لا ينبض قلبه بقطرة من الرحمة الإنسانية. كان يخرجه إلى بطحاء مكة إذا حميت الشمس في الظهيرة، والرمضاء في هذا الوقت تكاد تنضج اللحم الطري، ثم


(١) الجعل: بضم الجيم وفتح العين دويبة من دواب الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>