للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها، ففعل، وأمهرها أربعمائة دينار، وبذلك صارت من أمهات المؤمنين يجلّونها، ويكرمونها، وينزلونها من أنفسهم منزلة الأم، وكان عملا جد كريم، من نبي كريم، يواسي بنفسه فضلا عن ماله، ولما علم بذلك أبوها أبو سفيان، وكان من زعماء الشرك قال: هذا الفحل لا يقدع أنفه «١» .

وقد بقيت بالحبشة حتى كانت سنة سبع، فقدمت فيمن قدم مع جعفر بن أبي طالب عقب خيبر، وقد تكفل ابن إسحاق وغيره بسرد أسمائهم، ومن ولد لهم، فمن أراد استقصاء فليرجع إلى الكتاب التي تكفلت بذلك «٢» ، وقد أقام المهاجرون بخير دار إلى خير جار امنين على أنفسهم ودينهم حتى أراد الله لهم الأوبة.

[وهم لابن إسحاق وغيره]

وقد عدّ ابن إسحاق وغيره كأبي نعيم والبيهقي أبا موسى الأشعري فيمن هاجر من مكة إلى الحبشة، وهو وهم من بعض الرواة، والصحيح أنه خرج في اخرين راكبين البحر قاصدين مكة، فألقت بهم السفينة إلى الحبشة.

روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: «بلغنا مخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فركبنا سفينة، فألقتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافينا النبي صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لكم أهل السفينة هجرتان» «٣» وهكذا رواه مسلم.

سعي قريش إلى النجاشي في ردّ المهاجرين

فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمنوا، واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارا واستقرارا، وحسن جوار من النجاشي، وعبدوا الله لا يؤذيهم أحد، ولا يسمعون شيئا يكرهونه- ائتمروا فيما بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين منهم جلدين، وأن يرسلوا معهما للنجاشي هدايا


(١) هذا مثل يضرب للكريم الكفء يتزوج بالكريمة الأصيلة.
(٢) سيرة ابن هشام، ج ١ ص ٣٢٢- ٣٣٠؛ البداية والنهاية، ج ٣ ص ٦٦- ٦٩.
(٣) المراد هجرتهم من اليمن إلى الحبشة، وهجرتهم من الحبشة إلى المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>