وقال: فماذا ترى يا رسول الله؟ قال:«قد كنت على قبلة لو صبرت عليها»«١» قال كعب: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى معنا إلى الشام، فلما حضرته الوفاة أمر أهله أن يوجهوه قبل الكعبة، ومات في صفر قبل قدومه صلّى الله عليه وسلّم بشهر، وأوصى بثلث ماله إلى النبي، فقبله وردّه على ولده، وهو أول من أوصى بثلث ماله.
[إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام]
قال كعب- راوي القصة-: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام- والد جابر- سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه، وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيانا العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا.
عدّة أصحاب العقبة الثانية
قال كعب: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من
(١) قال السهيلي في هذا الحديث: إنه لم يأمره بإعادة ما قد صلّى لأنه كان متأولا، وكان باجتهاد منه، وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس. وقالت طائفة: ما صلّى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، فعلى هذا يكون حصل في القبلة نسخان: نسخ سنة بسنة، ونسخ سنة بقران، وقد بيّن حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروي عنه من طرق صحاح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلّى بمكة استقبل بيت المقدس، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة.