ومشايعيه: من الذي أخذ بأبصار المشركين فلم ينظروا تحت أرجلهم، ولو فعلوا لرأوا طلبتهم المنشودة؟ ومن الذي سمّر أرجلهم في الأرض فلم يتقدموا نحو فم الغار؟! ومن الذي صرفهم عن الغار، وقد همّ بعضهم بدخوله؟
أليست هذه ايات بيّنات على أن النبي ممنوع ومحفوظ من ربه؟ وأنه نبي الله حقا؟ ولو أن الأمور تجري على السنن العادي- كما زعم- لكان الأمر على غير ما كان، فسبحان الله تعالى الذي يسخر ما شاء من خلقه، لمن شاء من عباده المخلصين.
تخلف عليّ لردّ الودائع إلى أهلها
ولم يكن أحد يعلم بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وقد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتخلّف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، إذ لم يكن أحد بمكة عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه، وأمانته حتى كان يلقّب «بالأمين» .
[في الصباح]
ولنعد إلى الفتيان المشركين الذين وقفوا يتربصون على باب الدار، يحرسون النائم ظنا منهم أنه النبي، بل صاروا يتشاورون فيما بينهم أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، حتى اتاهم ات فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا:
محمدا، قال: قد خيّبكم الله، قد- والله- خرج محمد عليكم، ثم ما ترك أحدا منكم إلا وضع على رأسه التراب، وانطلق لشأنه، أفما ترون ما بكم؟! فوضع كل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، فكأنهم لم يصدّقوا، فجعلوا يطّلعون فيرون النائم على فراشه متسجيّا ببرده، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم، عليه برده.
فما زالوا كذلك حتى تنفس الصباح، فدخلوا على النائم، وكشفوا البرد فإذا به علي! فقالوا له: أين صاحبك هذا؟ فقال: لا أدري، فعلموا وتيقنوا