بريحها، وكان إذا مرّ في طريق يعرف أنه سلكه مما يخلفه فيه من طيبه. وثبت في صحيح مسلم أنه نام في دار أنس فعرق، فجاءت أمه بقارورة فجمعت فيها عرقه، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالت: نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب. وفي رواية أخرى لمسلم:(فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا) .
قال:«أصبت» .
[كمال عقله]
وأما كمال عقله، وأصالة تفكيره، وبعد نظره فيتجلّى في كثير من تصرفاته ومواهبه السياسية قبل النبوة وبعدها، وذلك كما حدث حينما حكّموه في قصة وضع الحجر الأسود، وفي إعداد الجيوش، ومباغتته للأعداء قبل أن يبغتوه في بلده، وموقفه في القضاء على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج بسبب تأليب اليهود، وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق، ومواهبه الفائقة في عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، حتى كان سببا في دخول الكثيرين منهم الإسلام، وفي ترضية الأنصار بعد قسمة غنائم حنين، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد. وقد عرضنا لذلك بالتفصيل في هذه السيرة العطرة.
[فصاحة لسانه]
وكان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان، قوي العارضة، يفصّل الكلام تفصيلا، مع سلاسة طبع ونصاعة لفظ، وقلة تكلف، وجزالة معنى. وليس هذا بعجيب ممن كان في الذؤابة من قريش، واسترضع في بني سعد، ونشأ بمكة، وأنزل عليه القران بلسان عربي بلغ أعلى درجات الفصاحة والبلاغة.
وكان مما اتاه الله العلم بلغات العرب ولهجاتها، فكان يخاطب كل قوم بلغتهم مما كان يدهشهم ويدهش الحاضرين من الصحابة، حتى قالوا له:
ما رأينا الذي هو أفصح منك!! فقال: «وما يمنعني وإنما أنزل القران بلسان