للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طوالا في هذا الشتاء القارص البرد، العاصف الرياح، المنذر بالمطر بين حين واخر.

[نقض بني قريظة العهد]

وخرج حييّ بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عهداهم، فلما سمع به كعب أغلق بابه دونه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له وقال:

يا حيي إنك امرؤ مشئوم، وإني عاهدت محمدا عهدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. وما زال حييّ به حتى فتح له فقال: ويحك يا كعب لقد جئتك بعز الدهر، قال: وما ذاك؟ قال: لقد جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني على ألايبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه، فقال كعب: دعني يا حيي، فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا!!

وتكلم عمرو بن سعدى القرظي فذكر وفاء الرسول ومعاهدتهم إياه وقال:

إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه، ولكن حييا ما زال بكعب يفتله في الذروة والغارب «١» حتى غلبت عليه يهوديته فاستجاب له، ونقض ما بينه وبين الرسول من عهد، ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العهد إلا بني سعنة: أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله ووفوا بالعهد.

[استجلاء الرسول الخبر]

فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة، وخوّات بن جبير وقال: «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه «٢» ، ولا تفتّوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس» .


(١) هذا مثل يضرب في المراوضة والمخاتلة، وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ القرادة من ذروته وغارب سنامه وتفتل هناك، فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك.
(٢) يعني أسلوب التعريض والتلويح لا التصريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>