وفي هذه الغمرة من الشدائد والمخاوف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا ينفكون عن الدعاء والتوجه إلى رب السماء. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب فقال:«اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم» ، وفي رواية:«اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» . وعن أبي سعيد الخدري قال: قلت يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟! قال:«نعم، اللهم استر عوراتنا، وامن روعاتنا»«١» .
[هزيمة الأحزاب]
واستجاب الله لرسوله والمؤمنين، ونزل المدد من السماء، وأرسل الله عليهم ريحا شديدة في ليلة شاتية باردة، فهدمت خيامهم، وكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وفعلت فيهم جنود الله غير المرئية الأفاعيل، فامتلأت قلوبهم رعبا وخوفا، وساد الهرج والمرج والجلبة والصياح.
[تعرف أخبار القوم]
وكان رسول الله مستيقظا لا ينام، وقائما لا ينفك عن الصلاة، فلما سمع الجلبة قال:«من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟» ، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف والبرد والجوع، فلما لم يقم أحد دعا حذيفة بن اليمان، قال: فلم يكن لي من بدّ من القيام حين دعاني، فقال:«يا حذيفة اذهب فادخل القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثنّ شيئا حتى تأتينا» .
قال: فذهبت فدخلت في القوم وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، فقام أبو سفيان فقال: لينظر كل امرىء من جليسه؟ فأخذ حذيفة بيد الرجل الذي كان جنبه، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، وتنادى الأعراب بالرحيل، وقام طليحة بن خويلد الأسدي فقال: إن محمدا قد بدأكم بشر فالنجاء