قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً:
هو صلح الحديبية كما سبق أن دللنا عليه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ: قد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والبر والاستقامة قبل البعثة وبعدها، فالمراد بالذنوب الأمور التي خالف فيها الأولى، وذلك مثل ما حدث في أسارى بدر، وترجيحه رأي القائلين بأخذ الفداء، ومثل إذنه للمعتذرين عن تبوك، وهذه ليست ذنوبا لكنها اعتبرت كذلك بالنسبة لجلالة قدره وعظم منزلته عند ربه، فهو من قبيل ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بهذا النصر على المشركين. وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بما يشرعه لك ولأمتك من الشرائع العادلة والدين القيم.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً: فيما تستقبل من أمرك حتى يظهر دينك على الأديان كلها. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ السكينة: الطمأنينة والوقار والاية تدل على زيادة الإيمان. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً: لله جنود كثيرة لا يعلمها إلا هو، ولو أراد أن يسلّط عليهم ملكا واحدا لأبادهم، ولكنه تعالى شرع لكم الجهاد لما في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
ولما بيّن الله ما يتعلق بنبيّه ذكر ما أعدّه لعباده المؤمنين المجاهدين فقال:
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... الاية. ثم ذكر ما يتعلق بالمنافقين والمشركين في قوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ