قدّمنا لك ما كان من شأن عتبة بن ربيعة وعرضه على رسول الله المال والملك والسؤدد، نظير أن يكف عنهم وعن الهتهم، ورفض رسول الله جميع ما عرض عليه، فرأى أشرافهم أن يكرروا المحاولة، فجلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية- بعد الغروب عند الكعبة، وأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم وهو يظن أن قد بدا لهم في أمره شيء، وكان حريصا على إيمانهم، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، فعرضوا عليه مثل ما عرض عتبة فيما سبق، فلما فرغوا قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لهم:«ما تقولون؟ ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه عليّ أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم» !!
[أسئلة تعنتية]
فقالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقل مالا، ولا أشد عيشا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر لنا هذه الجبال التي قد ضيّقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من ابائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسأله عما تقول: أحق أم باطل؟ فإن فعلت ما سألناك، وصدّقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول.
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» !!