هو أصيرم بني عبد الأشهل» ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة بل كانوا حنفاء مخلصين- رضي الله عنهم- وإلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت واسمه صيفي، وقيل: الحارث، وقيل: عبيد الله، وكان شاعرا وقائدا لهم يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى كان بعد الخندق، وقد اختلف في إسلامه، فالأكثرون- ابن إسحاق والزبير بن بكار والواقدي- على أنه لم يسلم، وأن الذي حال بينه وبين الإسلام بعد أن عزم عليه ابن أبيّ رأس النفاق، وقيل: إنه أسلم، والأول هو الصحيح «١» .
[بيعة العقبة الثانية]
ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة بعد أن دعا إلى الله بإخلاص وعزيمة صادقة، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فوعدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيام التشريق حين أراد بهم ما أراد من كرامته ونصر نبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وذويه، وكان في القوم كعب بن مالك، والبراء بن معرور سيد من ساداتهم وكبير من كبرائهم، فقال لهم: إني قد رأيت رأيا فو الله ما أرى أتوافقونني عليه أم لا؟
فقالوا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألاأدع هذه البنيّة- يعني الكعبة- مني بظهر، وأن أصلي إليها، فقالوا له: والله ما بلغنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلّي إلا إلى الشام- ببيت المقدس- وما نريد أن نخالفه، فكانوا إذا حضرت الصلاة صلّوا إلى بيت المقدس، وصلّى هو إلى الكعبة، واستمروا كذلك حتى قدموا مكة، وتعرفوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس مع عمه العباس بالمسجد الحرام، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم العباس:«هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل» ؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«الشاعر؟» قال: نعم، فقصّ عليه البراء ما صنع في سفره من صلاته إلى الكعبة.