للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا عمر، وهو ماض في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيبا فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

(أما بعد: فإن من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الاية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .

قال عمر: فو الله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فهويت إلى الأرض، ما تحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات «١» .

وكذلك استفاق الناس من غشيتهم لما سمعوا أبا بكر يتلوها.

في سقيفة «٢» بني ساعدة

في هذه الغمرة من الأسى والحزن، كاد أن يضطرب أمر المسلمين في مسألة الخلافة، فالأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وانضم إليه أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقا حتى أتيا السقيفة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين أيديهم رجل مزمّل، فإذا هو سعد بن عبادة به وجع، فلما جلسوا قام خطيب الأنصار فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفّت منكم دافّة، تريدون أن تخزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر) .

فلما سكت أراد أن يتكلم عمر وكان قد زوّر «٣» في نفسه مقالة أعجبته، ولكن الصدّيق منعه لما يعلم فيه من حدّة قد لا تفيد في هذا الموقف، وقال له:

على رسلك يا عمر، ثم قام فتكلم، قال الفاروق: فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل. قال:


(١) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(٢) مكان عليه ظلة.
(٣) أعد وهيأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>