للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج]

أما أبو سفيان فقد ساحل بالعير خارجا عن الطريق المعتاد، فنجا، وأرسل إلى قريش وقد خرجت عن بكرة أبيها يعلمهم بذلك، ويشير عليهم بالرجوع قائلا: (إنكم قد خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله فارجعوا) ، ورأى رأي أبي سفيان من قريش عدد غير قليل، لكن أبا جهل ما لبث حين سمع هذا الكلام أن صاح قائلا: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا) .

وقال الأخنس بن شريق «١» - وكان حليفا لبني زهرة وكان فيهم مطاعا-: (يا بني زهرة قد نجّى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم- مخرمة بن نوفل- فارجعوا، فاتّبعوا مشورته ورجعوا، فلم يشهد بدرا زهريّ، وكذلك لم يشهدها أحد من بني عدي، وكان بين طالب بن أبي طالب- وكان في صفوف المشركين- وبين بعض قريش محاورة فقال له: والله لقد عرفنا يا بني هاشم- وإن خرجتم معنا- أن هواكم مع محمد، فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، ومضت جموع قريش في خيلها وخيلائها حتى وصلت وادي بدر، فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة في أرض سهلة لينة.

مسير المسلمين إلى بدر «٢»

أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد سار وأصحابه في الطريق إلى بدر، وكان لا يزال شائعا بين صفوف المسلمين أن عير أبي سفيان ستمر بها في طريقها إلى مكة، ولم يكن عليه السلام عارفا بما فعله أبو سفيان من إفلاته بالعير، ولا بما قامت به قريش


(١) شريق: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء.
(٢) بدر: مكان بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، سمي باسم بئر هناك. وكان به سوق تقام كل سنة ثمانية أيام وبه قرية الان.

<<  <  ج: ص:  >  >>